ربّ صدفة خير من.. ......

هل تعرفون أن هذا المثل خدَّاع؟! بل وإنه جاهل؟! وهو على نحو ما.. يهيئ للروح ويبدي للقلب خيالات وأوهام ما هي إلا سراب؟!...
فمثلاً، لو تلتقي صدفة بشخص أنت تحبه، بل وتعشقه، ولكنكما انفصلتما، والأسوأ أنه هو كان الطرف الأقوى في الفراق.. فسوف ترقص فرحاً لأنك رأيته! ستسلِّم عليه لأنكما، كلاكما، كذبتما على نفسيكما وقلتما: لنبقى أصدقاء..! وأخذتما دوركما في تمثيل الكذبة..
ستكمل طريقك وتعود للبيت وأنت سعيد فرح.. تقول لنفسك: ربَّ صدفة....!
ولكنك لا تعرف ما ينتظرك وراء هذه الابتسامة.. المؤقتة!
ستجلس وحيداً إلى نفسك، ستعود لتتذكر ألمك.. ستبكي بحرقة.. لأنك قابلته لقاء الأصدقاء إن لم يكن لقاء الغرباء..
سوف تحزن.. وتحقد.. وترغي وتزبد..
ثم تدرك المأساة: يا لها من صدفة سيئة..
فأنت كنت قررت ألا تراه وألا تسمع صوته.. تريد أن تنعم ببعض السلام والهدوء.. حتى وإن كان يصاحبهما الألم..
ولكن هذه الصدفة جاءت لتعيد لك الأوجاع.. ولتريك الألم المتواري.. والأمل الخدَّاع!
وسترى أن الصدفة.. ما هي إلا قناع للمآسي!
فلماذا يا صاحبي تبحث عن الصدفة وصاحب الصدفة لا يريدها؟!
إذا قل في قلبك: نجني يا الله من هكذا صدفة...
أصبحتُ أشعر كلما تقدم بي الوقت لماذا نحن متأخرون هكذا..
نجلس في بيوتنا أمام الشاشات بلا فائدة...
نمشي في الشوارع بلا هدف..
نتحدث على الهاتف بلا حساب..
ألا تعلمون.. أن عليكم أن تتحركوا؟! فكروا الآن حالاً كم لديكم من أمور معلقة..! ابدؤوا الآن حالاً بتسويتها.. اعملوا أي شيء.. انهضوا.. تحركوا.. لكن لا تقفوا فقط وتتحدثوا.. لأن هذا لن يفيد..
يمكنكم أن تزرعوا شجرة لتبدؤوا بإنقاذ الغابات..
يمكنكم أن تتطلبوا موعداً لتبدؤوا بحل الخلافات...
...شوارعنا بحاجة إلى مليون عامل نظافة لن يأتي ولا واحد منهم..
إذاً..هل ننتظر؟!
ولكن لماذا نحن دائما هكذا: نترك أعمالنا للأيام، ولقاءاتنا للصدف، ونجلس منتظرين خلف باب الزمن الذي يجري ويتركنا خلفه متأخرين دهوراً.. منتظرين الـ"ربَّ صدفة.. حتى تأتي..؟!
لم لا تنطلقون؟! لم لا تحددون بأنفسكم المواعيد، وتضعون الشروط؟! لم لا تجعلون الزمن ملكاً لكم؟! يا جماعة.. في الحركة بركة؟! فلم لا ينطلق كلٌّ من أمام بيته حتى لا يلعن عندما ينطلق صباحاً قاصداً مكان عمله..؟!
نجلس منتظرين أن تأتي أعجوبة تغير وضعنا القلق! وأعجوبة أخرى لتصلح من حال القلب! ولا نعلم أن الحل بأيدينا، نحن فقط....
اذكروا فقط أن نابليون عندما قال: "كلمة مستحيل لا وجود لها إلا في سجِّل الحمقى".. كان على حق..